اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 106
بِقَبُولٍ حَسَنٍ حتى نشطت وفرحت بمكاشفة اللطف من قبل الحق بعد ما أيست وقنطت وَبعد قبول الحق إياها قد أَنْبَتَها ربها بلطفه ورباها بكرمه حتى صارت نَباتاً حَسَناً مظهرا لعجائب صنعه وبدائع حكمته وَبعد ما تقبلها ربها وأنبتها ورباها هكذا كَفَّلَها اى قبل كفالتها وحضانتها من احبار البيت زَكَرِيَّا روى ان حنة أم مريم لما كوشفت بأمرها بالهام الله إياها لفتها في خرقة وحملتها الى المسجد ووضعتها عند الأحبار المجاورين فيه على مقتضى العادة المستمرة وقالت دونكم هذه النذيرة فاختلفوا في حضانتها لأنها كانت بنت امامهم وملكهم فقال زكريا انا أحق بحضانتها لان خالتها عندي فأبوا الى ان اقترعوا وكانوا سبعة وعشرين فانطلقوا الى نهر فالقوا فيه أقلامهم فطفى قلم زكريا ورسبت أقلامهم فتكفلها زكريا في بيت لا باب له إلا كوة في سقفه فلما أراد زكريا ان يأتى برزقها نزل منها ولما خرج أغلقها وقفلها ثم لما مضت عليها مدة صارت حالها هكذا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ لتفقد حالها وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً رغدا من ألوان الأطعمة والفواكه وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف والصيف في الشتاء فتعجب من حالها الى ان سألها منها حيث قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا اى من اين لك هذا الرزق الآتي الذي لا يشبه بارزاق الدنيا ولا فاكهتها في الأرض لا على فوق العادة والأبواب مغلقة عليك قالَتْ بالهام الله إياها ما هُوَ الا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ المتكفل لأرزاق عباده إِنَّ اللَّهَ المراقب المحافظ لتربية مظاهره يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ما يشاء كثيرا واسعا بِغَيْرِ حِسابٍ اى بلا إحصاء وتعديد بلا انتظار وترقب بل من حيث لا يحتسب. ثم لما سمع زكريا منها ما سمع ورأى ما رأى
هُنالِكَ اى في تلك الحالة والزمان دَعا زَكَرِيَّا المراقب لنفحات الحق في جميع حالاته رَبَّهُ الذي رباه بتعرض نفحاته لإصلاح حاله متمنيا في دعائه خلفا مثلها يحيى اسمه حيث قالَ مناجيا رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً زكية طاهرة عن جميع الرذائل والنقائص كما وهبتها لامرأة عمران هذه إِنَّكَ باحاطتك على سرائر عموم عبادك وضمائرهم وعلى جميع مقاصدهم وحاجاتهم فيها سَمِيعُ الدُّعاءِ اى مطلق الدعاء والنداء الصادر عن السنة استعداداتهم وقابلياتهم بإلقائك إياهم وإلهامك على قلوبهم.
ثم لما كان دعاؤه عليه السّلام صادرا عن عزيمة صحيحة وارادة صادقة واردا في وقت قدر الله له في علمه بادر سبحانه الى اجابته وامر الملائكة بالتبشير فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ بمقتضى الأمر الإلهي ووحيه وَهُوَ في تلك الحالة مترصد للاجابة قائِمٌ منتظر مقارن لانواع الخضوع والتذلل يُصَلِّي لله ويميل نحوه مقبلا عليه بعموم أعضائه وجوارحه فِي الْمِحْرابِ المعد للانابة والاستقبال قائلين له منادين عليه يا زكريا اعلم أَنَّ اللَّهَ السميع بمناجاتك ودعائك يجيبك ويُبَشِّرُكَ بِيَحْيى اى بابن مسمى من عنده بيحيى لتضمن دعائك بطلب من يخلفك ويحيى اسمك. ثم لما كان الباعث لك على هذا الدعاء مشاهدتك الخوارق والارهاصات الظاهرة من مريم رضى الله عنها صار ابنك الموهوب لك مُصَدِّقاً لابنها الموهوب لها من لدنا بلا سبق الأسباب العادية سيما بلا مباشرة زوج بل بِكَلِمَةٍ اى بمجرد كلمة صادرة مِنَ اللَّهِ مسمى من عنده بالمسيح وَمع كونه مصدقا بعيسى عليه السّلام يصير يحيى في نفسه سَيِّداً فائقا على اهل زمانه بالزهد والتقوى فانه عليه السّلام كان في مدة حياته ما هم بمعصية قط وَمع كونه يحيى سيدا ورئيسا في قومه كان حَصُوراً مبالغا في حبس نفسه عن مشتهياتها مع القدرة عليها وَبسبب اتصافه بالأوصاف المذكورة يصير
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 106